خسارة المصير
.. وهنا يقف المؤمنون في مواجهة هؤلاء الظالمين في نظرة تقييميّة لموازين الخسارة التي كان يدعي هؤلاء في الدنيا أنها لصالحهم ، فالمؤمنون في نظرهم ـ أي الكافرين ـ كانوا قد خسروا فرص التمتع بالملذات والشهوات التي ربحوها عند ما كانوا يمسكون بزمام الدنيا بكل أوضاعها الحسية.
(وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) عند ما فقدوا كل شيء ، حتى راحة الموت ، التي هي راحة سلبية ، وواجهوا الخلود في عذاب جهنم التي لا يذوقون فيها إلا ما خبث من الطعام والشراب ، ويتحملون فيها أشد ألوان العقاب .. فلا مجال لأيّة راحة أو لذّة أو شهوة أو جاه أو ما إلى ذلك مما يستمتع به الناس في الجانب المادي والمعنوي من الحياة ، بل الأمر ـ في ذلك ـ على العكس .. وتلك هي خسارة المصير التي لا مجال فيها لأيّ تعويض مستقبليّ بأيّ ربح جديد ، بينما تمثل خسارة الدنيا في مقابل ربح الآخرة حالة طارئة من حالات الخسارة التي لا تمثل شيئا أمام ما ينتظر الإنسان من الربح .. وهذا ما ينبغي للإنسان أن يفكر فيه عند ما يريد أن يدخل في حسابات الربح والخسارة فلا يفكر بالربح الطارئ الزائل ، ليوجّه طموحاته نحوه ، ولا يفكر بالخسارة المحدودة ليسقط أمامها في مواقفه ، بل يفكر بالربح الدائم كطموح كبير ، ويحذر من الخسارة الدائمة كمشكلة كبيرة .. وذلك ـ في نظر المؤمن ـ هو ربح الآخرة وخسارتها .. ولا سيّما إذا كانت المسألة لا تختص به ـ وحده ـ بل تشمل أهله الذين يعيش كل مشاكل الحياة ومتاعبها وتضحياتها من أجلهم .. مما يجعل خسارتهم خسارة مضاعفة بالنسبة إليه عند ما تضاف إلى خسارة نفسه ، (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) فذلك هو نهاية المطاف ومصير الكافرين الظالمين في الحياة (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) لأنه لا وليّ غير الله في ما تعنيه كلمة الولاية الفعلية من القدرة على النصرة من موقع القوة الواسعة الشاملة التي تتيح للولي أن يحقق ما