المعرفة النبوية رسالة إلهية
(ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) فلم تكن لديك أيّة معرفة ذاتية بالكتاب الذي أنزله الله على رسله من التوراة والإنجيل ، وغيرهما حتى عرّفك الله منه ما أراد لك أن تعرفه ، أو بالقرآن الذي أرسلك الله به حتى أنزله عليك ، ولم يكن لديك أيّة ثقافة شخصية في حدود الإيمان وشرائعه وحركته وما يتعلق به ، حتى جاءك الوحي ليحدّد لك كل ذلك ، في وعي تفصيليّ كامل .. وهذا ما يؤكد لنا أن المعرفة النبوية لم تكن مخلوقة مع النبي في ذاته ، بل هي شيء مكتسب من الله منفصل عن عملية خلقه ، وعن بداية نبوّته ، وليس معنى ذلك أنه لا يملك المعرفة الواعية من خلال تأملاته وتجاربه وألطاف الله التي تحيط به ، بل إن معنى ذلك ، هو التكامل التدريجيّ في شخصيته الروحية والفكرية ، بالمستوى الذي لا يبتعد فيه عن معنى العصمة .. وهذا ما نستوحيه من أكثر من آية من القرآن ، وتلك هي عظمة النبوّة في النبي ، حيث فتحت له آفاقا واسعة لم يكن له عهد بها ، لو لم يعهدها الناس فيه ، ممّا يدل على أن المسألة لم تكن حالة ذاتية ، بل كانت شأنا رساليّا إلهيّا.
* * *
الوحي نور إلهي
(وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) فليس الوحي رسالة موجّهة إلى النبي ليهتدي بها ، بل هي نور يضيء طريق الناس الذين يفتحون عقولهم وقلوبهم للهداية ، فيمن أراد الله له أن يهتدي بالوسائل الطبيعية للهداية ، تماما كما هو النور الذي لا يختص بحامله ، بل يضيء الطريق لكل من يسير مع صاحبه ذاك على الطريق ، وبذلك كان النبي هاديا بواسطة هذا الوحي الذي أنزله الله في قرآنه ، في ما يشرق من نوره الفكري والروحي في حياة الناس (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) لا عوج فيه ولا التواء ، لأنه يمثل الخط الذي