وإنه في أم الكتاب لعليّ حكيم
(حم) من الحروف المقطعة التي ألمحنا إلى الحديث عنها في سورة البقرة ، والشورى ..
(وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) قد يكون هذا قسما بالكتاب الواضح في مفاهيمه وأحكامه ووصاياه ، وما يمثله من أهمية كبري باعتباره كلام الله الذي أريد له أن يخطط للحياة على أساس الحق والعدل في دائرة التوحيد الإلهيّ ، وحركة الرسالة.
(إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) باللغة التي تتكلمون بها وتفهمونها ، فلا يبقى أمامكم إلا أن تفكروا بمضمونه لتعرفوا حقائق العقيدة والحياة ، ولتصلوا ، بذلك ، إلى القناعات الرسالية ، فلا يكون لكم حجة في ما تنكرون ، أو في ما تنحرفون وتجادلون ، (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) فإن الله قد جعله لكم وسيلة للرجوع إلى العقل في التفكير والحوار ، وللوقوف عند قواعد العقل وموازينه.
وقد ذكر صاحب الميزان في تفسير ذلك معنى آخر فقال : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) «غاية الجعل (١) وغرضه ، وجعل رجاء تعقله غاية للجعل المذكور يشهد بأن له مرحلة من الكينونة والوجود لا ينالها عقول الناس ، ومن شأن العقل أن ينال كل أمر فكريّ ، وإن بلغ من اللطافة والدقة ما بلغ ، فمفاد الآية : أن الكتاب بحسب موطنه الذي له في نفسه أمر وراء الفكر أجنبيّ عن العقول البشرية ، وإنما جعله الله قرآنا عربيا وألبسه هذا اللباس رجاء أن تستأنس به عقول الناس فيعقلوه ، والرجاء في كلامه تعالى قائم بالمقام أو المخاطب دون المتكلم كما تقدم غير مرة» (٢).
ولكن التأمّل في هذه الآية لا يدل على ما ذكره ، بل الظاهر منها أن الله
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٨ ، ص : ٨٤ ـ ٨٥.