يجعل القضية في موقع الإنكار ، لا في موقع المناقشة.
* * *
الشرك ومشيئة الله
(وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) فهو الذي يملك السيطرة على عباده ، وبالتالي يملك منعهم عما لا يريده منهم ، وإبقاءهم على ما يريد ، ولا سيّما في مسألة العبادة التي تمثل العمق في وجود الإنسان ، لاتصالها بأجواء الألوهية في ذاتها ومتعلقاتها ، مما يجعل الانحراف عن الخط المستقيم فيها ، خطرا على المسيرة الإنسانية كلها ، الأمر الذي يفرض التدخل المباشر من الله ، الذي يجمّد إرادة الإنسان تحت تأثير إرادته التي لا تختلف عن المراد ..
وفي ضوء ذلك ، كانت عبادتهم موضع رضى من الله ، لأنه تركهم وشأنهم في ما يريدون .. ولكنهم لا ينطلقون في ادعائهم ذاك من موقع الاقتناع بالفكرة ، بل من موقع التهرب واللعب على الألفاظ ، والاحتيال على المواقف (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) فإن الله هو الذي يسيطر على الأمر كله ، فلا يشاء الإنسان إلا ما يشاء الله.
ولكن المشيئة الإلهية لا تعني التدخل المباشر الذي يفرض الإرادة التكوينية التي تتصل بالوجود المباشر ، بل تعني انطلاق الأشياء من تقديره ضمن حركة السنن التكوينية التي أودعها في الحياة في دائرة الأسباب والمسببات ، التي قد تتحرك في نطاق الإرادة الإنسانية في ما يريد الإنسان أن يفعله أو يتركه ، مما جعل الله اختياره الوجودي بيد الإنسان .. مع الإيحاء له بما يجب أن يفعله أو يتركه في خط المسؤولية التي تختزن النتائج السلبية أو الإيجابية .. فإذا انسجم مع الإرادة التشريعية ، فاختار خط الاستقامة في أمر الله ونهيه ، كان موضع رضى الله ، وإذا انحرف عنه ، كان موضع سخطه ، من دون