لولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا الدنيا للكافرين
إن الحياة الدنيا لا تمثل لدى الله موقع القيمة بحيث يكون الحصول عليها دليلا على المنزلة الكبيرة عنده ، ولهذا فإنه قد يمنحها لأعدائه أكثر مما يمنحها لأوليائه ، وهذا ما يريد القرآن أن يصوّره في هذه الآيات.
(وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) لو لا احتمال اجتماع الناس على الكفر طلبا للامتيازات التي قد يحصلون عليها في الدنيا جراية ، لأن الإنسان يرتبط بالأمور الحسية ـ عادة ـ أكثر مما يرتبط بالأمور الروحية المعنوية ، (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ) أي لجعلنا للكافرين درجات (عَلَيْها يَظْهَرُونَ) ليواجهوا الآخرين من موقع هذا الامتياز الواقعي الذي يظهرون به على غيرهم (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً) يمثل الزينة الذهبية أو مطلق الزينة التي يتزينون بها في بيوتهم.
(وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) الذي يمثل حالة طارئة لا تلبث أن تزول عند ما تحدث بعض الأسباب الموجبة لذلك ، أو عند ما يزول الإنسان من الحياة ، فلا ينبغي له أن يستسلم لذلك أو يعتبره القيمة العظيمة في حياته بحيث ينافس الناس عليها (وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) الذين يخافون الله ويحسبون حساب طاعته في كل مواقع حياتهم ، فالقيمة الروحية والمادية التي تمثل النعيم الخالد عند الله المنفتح على رضوانه ، المتحرك في خط رحمته ، مما يجعل من الارتباط بالتقوى ارتباطا بالنتائج الكبيرة في مسألة المصير.
وهكذا تؤكد هذه الآيات أن مثل هذه المظاهر المادية التي قد يعطيها الله للكافرين الذين يريد تعذيبهم في الآخرة لا تمثل هدفا للمؤمنين ، ولا امتيازا