بين آيات الله وعمق الإيمان
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) في الكون ليهديكم إلى معرفته من موقع الحسّ الذي ينقل الصورة ، ومن موقع العقل الذي يحرّك كل مفرداتها في ساحة الإيمان بالله الواحد (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) في ما ينزله من مطر يحيي الأرض بعد موتها ، ويمنح الحياة فيها لكل شيء يدبّ عليها ، ويعيش فيها .. أو في ما يقدّره الله من رزق للناس جعله بتدبيره ورحمته وحكمته ، وأنزله إليهم بأسبابه مما يفرض عليهم أن يتذكروا ربهم ليعرفوه وليؤمنوا به ، وليواجهوا المسؤولية أمامه فيطيعوه في ما أمرهم به ونهاهم عنه .. ولكن الكثيرين لا يتذكرونه بل يظلون سادرين في غيّهم ، مستغرقين في غفلتهم ، (وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) ويرجع إلى الله في وعي المعرفة وعمق الإيمان.
(فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) فهذا هو التعبير الحيّ عن الموقف الإيماني ، والشعور العميق بالحضور الإلهيّ الشامل الذي يستوعب الكون كله فيشرق فيه بنوره ، ويرعاه برحمته وقدرته وحكمته ، ويشرف على الإنسان في وجوده في ما يطّلع عليه من خفايا نفسه ، وأسرار حياته ، ويدبّر له كل شؤونه الماديّة والمعنوية .. بما يجعل كل حاجاته الخاصة والعامة خاضعة لإرادته ، الأمر الذي يدفع الإنسان إلى الرجوع إليه في ذلك كله في ابتهال خاشع ، وإخلاص عميق ، تعبيرا عن إخلاص الدين كله لله ، فإن الدعاء يمثل الارتباط الحيّ بالله في ما يوحي به من انفتاح الروح بحاجاتها ومشاعرها ، على الله ، ليكون ذلك التحدي العملي للكافرين الذين يتحركون بعيدا عن الله ، كما لو لم يكن الله موجودا أو مهيمنا على الكون ، أو للمشركين الذين يستغرقون في عبادة غير الله ويغفلون عن عبادته (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) في مواقع ملكه بحيث لا يستطيع أحد أن يبلغ درجات هذا العلو الذي يعبّر عن عظمته وعلوّه ، (ذُو الْعَرْشِ) الذي يمثل الموقع الأعلى في السماوات،