الْمُسْرِفِينَ) فقد كان يعيش عقدة العلوّ في الأرض التي لا يملك أساسا معقولا لها في عمق القيمة في شخصيته ، أو في سعة المعرفة في فكره ، أو في سمو الروح في روحيته ، مما يحوّل طموحه إلى عقدة استكبارية تتحرك في نزعة الاضطهاد للآخرين والاحتقار لإنسانيتهم ، كما كان يعيش الإسراف في ظلمه وطغيانه وقوانينه المتعسفة التي تحطّم المعنى الإنساني في حياة الناس بما يتجاوز الحدود المعقولة.
(وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) لأنهم كانوا يملكون كفاءة تميزهم عن الناس في تلك المراحل التاريخية ، كما كانت تفرض الظروف الموضوعية. فأرسلنا منهم كثيرا من الأنبياء ، وأنزلنا عليهم المنّ والسلوى وظلّلنا عليهم الغمام ، وأفضنا عليهم الكثير من نعمنا التي لم نؤتها أحدا من العالمين .. ولكن ذلك لا يعني القيمة المطلقة في ميزان القرب من الله ، كما حاول البعض في مرحلة معينة إثارته من حيث إنهم أولياء الله وأحباؤه ، ليميّزوا أنفسهم عن الناس. فقد كان الخط الإيماني يتحدث عنهم ، كبشر ممن خلق الله يواجهون المسؤولية كما يواجهها بقية البشر الذين يعذبهم الله بذنوبهم ، ويغفر لهم ، من دون أيّة ميزة ذاتية أو طبقية ، مما يجعل من النعمة اختبارا وامتحانا ، بحيث تنسجم مع الحكمة الإلهية في تنظيم الواقع العملي للناس.
(وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) مما يختبر الله به عباده ليؤمنوا به ، وليطيعوه ولينفذوا إرادته في حركة الحياة .. فإذا انسجموا مع خط الإيمان أعطاهم ما يحبون من نعمته ورضوانه ، وإذا ابتعدوا عنه أنزل عليهم عذابه وسخطه ..
وهذا هو التاريخ الرسالي الحركيّ يقدمه الله للنبي وللمسلمين معه ليوحي بالنصرة ، كما يقدمه للمتمردين عليه ، لينذرهم بالعذاب والهوان.
* * *