وللمواجهة ، وللدفاع عن أنفسهم ، ولكن المرحلة لم تكن تتحمل ذلك لأنها لم تصل إلى المواجهة ، وكان الكفار بحاجة إلى مزيد من الصبر في الدعوة ، للحصول على الوضوح الذي يزيل الكثير من التعقيدات ، وإلى مزيد من الإيجابية في الموقف الذي يخفف الكثير من السلبيات .. وهكذا كان الأسلوب العملي لهدايتهم هو الصفح عنهم ، والإعراض عن مخاصمتهم ومجادلتهم وعدم مواجهتهم بالموقف الصلب ، وهذا هو المراد من المغفرة عمليا بحيث لا تثير ضد المخطئ ردّ فعل سلبيا عنيفا ، كي لا يثير مشكلة معقّدة ، أو تهيّئ الجو له للتراجع ، على طريقة الرسول العظيم صلىاللهعليهوآلهوسلم في ما يروى عنه ، إنه كان يقول عند ما يشتد اضطهاد قومه من المشركين له : «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» بمعنى ترك عقابهم على ما أشركوا فيه ، وما كفروا به ، وما تمردوا عليه ، وتأخير أمرهم إلى وقت آخر لأنهم لا يعلمون وجه الحقيقة في ما أنكروه ، وخطورة ما قاموا به.
ولعل التعبير بقوله : (لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) يتضمن إيحاء ، بأنهم يجهلون المسألة الإيمانية التي تبعد مشاعرهم الذاتية عن الرجاء بأيّام الله التي يغفر فيها لعباده ، ويرحم فيها الخاطئين ، ويدخلهم جنته ..
وقد يفهم البعض هذه الآية بطريقة أخرى ويعتبرها لونا من ألوان التسامح في النظرة إلى الكفر أو الشرك ، لتكون المسألة المطروحة هي مسألة اللّامبالاة بقضية الإيمان والكفر ، أو التوحيد والشرك ، مما يتنافى مع الالتزام بالموقف الإيماني الذي يتحرك من موقع الاهتمام ، ويحدد العلاقات على هذا الأساس ..
إننا لا نوافق على ذلك ، بل القضية في هذه الآية هي الوقوف بطريقة متوازنة أمام الانحراف لدراسة الأسلوب الأفضل لمواجهته أو في معالجته ، انطلاقا من الانفتاح النفسي على ظروف انحراف المنحرف مما يجعل المؤمن ـ الداعية ، يستلم زمام المبادرة إفساحا في المجال أمام المنحرف للتراجع عن