معقّدة ، فقد أعطاهم الله النعمة الوافرة ، والنبوّة والكتاب والحكم ليأخذوا بالهدى من خلالها ، وليشكروا الله على ما أولاهم من نعمه ، فلما انحرفوا عن الخط المستقيم في ذلك كله ، ذمّهم الله ولعنهم ، وابتلاهم بألوان البلاء ، لأن الله لا يفضّل أحدا لذاته ، بل يمدّه بمواقع الفضل إذا ما أخلص في العمل وفي العبادة لله. وعلى ضوء ذلك ، فلا مجال للقول : إن الله قد أعطى بني إسرائيل ـ كقوم ـ قيمة روحية ومعنوية خاصة ، بما يؤكد مقولتهم التي يدعون فيها أنهم شعب الله المختار ، فإننا نلاحظ ـ تعليقا على ذلك ـ أن الله قد ردّ عليهم ذلك في قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ...) [المائدة : ١٨] وقوله تعالى ، في سورة الجمعة : (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [الجمعة : ٦ ـ ٧] وقوله تعالى ـ في بيان الخط العام للمسؤولية بعيدا عن طبيعة الانتماء ـ : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) [النساء : ١٢٣] وغير ذلك من الآيات التي تتحدث عن تمرد بني إسرائيل ونقضهم ميثاقهم وقتلهم الأنبياء بغير حق ، مما يوحي بأن المسألة لا ترتفع إلى مستوى التقييم الخاص ، بل تبقى في مستوى الواقع.
* * *
(اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ)
(وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) من الآيات الواضحة الدالة على الحق من دون أيّ شك أو شبهة مما لا يدع مجالا للخلاف ، ولكنهم ـ مع ذلك كله ـ اختلفوا لا بسبب غموض القضية الرسالية ، بل عن عقدة سببها نوازع البغي الكامنة في ذواتهم.