(فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) عند ما يتحول العلم في شخصية العالم ، إلى نوع من الزهو والخيلاء الذي يبحث فيه الإنسان عن تأكيد نفسه بالانتفاخ كبرياء ، يؤدي إلى أن يواجه الأمور بطريقة تثير التعقيدات ، وتضع الفواصل داخل الفكر الواحد ، ليتحوّل إلى فكرين ، يختلف الناس حولهما ، ليلتزم كل منهم الموقع الذي يفصله عن الآخرين. وهكذا يتحول العلم ، إلى حالة شيطانية باغية ، تفرز العداوة والبغضاء وتخدم مراكز الوجاهة الاجتماعية والثقافية والسياسية داخل المجتمع الواحد ، فهو يصوغ للخلافات نظريات علمية تدعم هذا الخط بحيث يبدو كما لو كان في العمق هو التجسيد الفعلي للحقيقة الدينية ، وتدعم ذاك بالمستوى نفسه ، ليتحوّل الدين إلى دينين تضعه العصبية المذهبية في هذا الجانب أو ذاك ، لينقسم المجتمع على أساس الصفة المذهبية التي يكفر فيها أهل هذا المذهب أتباع المذهب الآخر ، من خلال التحليلات والتدقيقات والحواشي والتأويلات التي يثيرها الخبث العلمي ، لا الطهارة الفكرية.
(إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) فهم لا يستطيعون هناك التعلّق بما كانوا يتعلقون به من المبرّرات الخلافية على أساس القاعدة العلمية المزعومة ، بل يواجهون الحقيقة الواحدة التي أوحى بها الله إلى رسله من دون زيادة ولا نقصان ، وقد كانوا يستطيعون اكتشافها من خلال المنهج الذي جعله الله أساسا من أسس الوصول إلى الحق ، ولكن روح البغي كانت تمنعهم عن ذلك.
* * *