مطالبتهم بالخضوع له وتقديسه.
* * *
المؤمن ـ الظاهرة
وعلى ضوء هذا ، نستطيع أن نقرّر أن مؤمن آل فرعون يمثّل ظاهرة مشرقة جديرة بالتأمّل والدرس ، وباعثة على الأمل في ظلمات اليأس ، عند ما يجد الداعية الأجواء مكفهرّة أمامه ، فإنه سيلتقي أملا أخضر لظهور وجه جديد غير منتظر ، يحمل الرسالة معه ، ويجاهد من أجله ، من دون التفات للامتيازات أو الإغراءات المطروحة أمامه ، أو الموجودة لديه.
وقد صوّر لنا القرآن الكريم ، هذا المؤمن ـ الظاهرة بصورة الإنسان الرساليّ الذي يمتلئ قلبه بالحزن على قومه ، فتزحف مشاعره على كلماته لتتلمسها بحذر وهدوء ، لتفتح نافذة على الحق هنا ، أو هناك ، وتفسح مجالا للضوء ، كي يخترق بعض خيوط الظلام ، لينطلق الضياء خطوة خطوة لمعة في الأعماق ، وإشراقة في الضمير ، قبل أن يشعر جنود الظلام بأن جحافل الفجر تعدّ في مقالع الضوء أعمدة الشروق.
ثم يندفع في رسالته ، وتتصاعد الكلمات بقوّة ، وتتفجّر الآلام بحزم ، وتنطلق الكلمة الحاسمة ، لتكشف عن الحق ، فيحسم الموقف بالنداء القويّ الهادر الذي يترك الحذر خلفه ، ليستقبل المجابهة بقوّة.
ولعل قيمة هذا المؤمن الكبيرة تتمثل في هذه الانطلاقة الإيمانية التي عاشت في نفسه فعبّأت داخله بكل معاني الحياة الكبيرة ، حتى تحوّل إلى إنسان لا يكتفي بالجانب الذاتي للإيمان الذي يضمن مصيره في الآخرة من دون أن يترك أيّ أثر حركيّ في موقفه تجاه الآخرين ، كما هي حال كثير من المؤمنين الذين يشعرون بأن مسئوليتهم تجاه الإيمان تنتهي عند ما يقومون بما يفرضه