من الداخل حتى يرتفع الضغط عن الرسالة من جهة ، وتقوى خطوات الرسول من جهة أخرى .. وكان يتابع عمله هذا من موقع القوة التي يتمتع بها لا من موقع الضعف ، لأننا نلاحظ ـ في ما يأتي من حديث القرآن عنه ـ أنه كان يعبّر عن رأيه في كثير من المجالات بصراحة وقوة من غير أن يجابه بأيّ ردّ ، أو محاولة للرد من أحد.
وقد تحدث القرآن عن هذا المؤمن ، وعن مواقفه في إطار حديثه عن قصة موسى مع فرعون ، حيث نلتقي به في هذا الجو الجديد من الحوار الذي نرى فيه فرعون مجتمعا بقومه ، طالبا منهم إعطاءه الحرية في قتل موسى ، متذرّعا بالأسباب التي يتذرّع بها الطغاة ـ عادة ـ للقضاء على خصومهم من أصحاب المبادئ والرسالات والأفكار الإصلاحية ، وهي المحافظة على النظام وصلاح أمر البلاد والعباد.
* * *
الحوار غير المباشر بين المؤمن وفرعون
وهنا يقف هذا المؤمن ، لينطلق صوته من الداخل ، في أسلوب لايجابه فيه فرعون بشكل مباشر ، بل يتجه به إلى قومه ليمنعهم من التجاوب مع فرعون في طلبه .. فنلتقي بالموقف الرائع الذي يرسم لنا صورة جديدة من الحوار الذي لا يلتقي فيه المتحاوران وجها لوجه ، بل يطرح أحدهما الفكرة في حياة المجتمع ، وينطلق الآخر مع أفراد المجتمع لرد الفكرة وإظهار فسادها وخطئها ، لأن الطرف الأول للحوار لا يمكن أن يخضع لروح الحوار في أجواء البحث عن الحقيقة ، لأن القضية عنده قضية سلطان يجب أن يدوم ويستمر ، لا قضية حقّ يجب أن يقوم وينطلق ، ولهذا فإن مواجهته بالنقد والحوار لا تحقق أية نتيجة ، لأنها قد تشارك في خنق الصوت وقتله ، أو في إقامة الحواجز بين المجتمع وبينه ، لذا فإن الخطة العملية تقضي بالتوجه إلى المجتمع بعيدا عن