له من التشريع الإيمانيّ العملي الذي يبلغ به الناس مواقع مصالحهم في الدنيا والآخرة .. فيلتقون بالبداية المشرقة التي تطلّ بهم على النهاية الهادية. (وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) وهو التوراة ، (هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) ليكون منطلقا للمعرفة التي تمثل النور الذي يطرد جحافل الظلام ، وقاعدة للفكر الذي يتحرك به العقل ليميّز بين الحق والباطل ، وليبني لهم الأساس الذي يركز لهم مجتمع القيم الروحية والفكرية التي تقودهم إلى الخير وتبعدهم عن الشر ، ولكنهم ، في ما توحي به الآيات القرآنية الكثيرة ، لم يهتدوا به ، ولم يستقيموا على طريقه ، بل حرّفوه عن مواضعه ، واشتروا به ثمنا قليلا وتمرّدوا على الرسالات التي جاءت من بعده ، وعلى الرسل الذين حملوها إليهم كما تمرّد غيرهم من بعدهم ، فكان بينهم وبين الكافرين والمشركين حلف غير مقدس (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) حيث وعد الله رسله بالنصر ، عند ما يحين موعده .. لأن ذلك يحتاج إلى المعاناة وتحمّل ما تفرضه ساحة الصراع من آلام في شدّتها وقسوتها.
* * *
كيف نفهم أمر النبيّ بالاستغفار؟
(وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) هل هناك ذنب لا بدّ للنبي من أن يستغفر منه ، وما هي طبيعته؟ ولا سيّما في ما يتعلق بتبليغ الرسالة ، في أسلوبها وحركتها وحيويّتها وحكمتها وهو أمر لا يمكن أن ينسب أحد فيه إلى الرسول إلا كلّ سموّ وعلوّ وحكمة ، فقد كان الرسول يعطي من نفسه الكثير ، لكي يفتح قلوب الناس على الله ، وعلى الحق النازل في وحيه فكيف نفهم المسألة؟ وكيف تلتقي دعوة النبي إلى الاستغفار بالعصمة التي تجسّدها سيرته ، قبل أن يجسّدها