لا سواء بين الإيمان والكفر
(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) لأن العمى يمثل انغلاق الحسّ عن الحياة من حوله ، بينما يمثل البصر انفتاح الحسّ على المرئيات كلها ، وإذا كنا نعرف أن العمى في الحسّ قد يوحي بالعمى في العقل ، كما أن البصر الحسيّ يوحي بالبصر المعنوي .. فإن من الممكن أن نحرك هذين النموذجين في الإنسان المنفتح بالعلم على الواقع والفكر ، في مقابل الإنسان المنغلق بالجهل عن حقائق الحياة وأسرار الإيمان ، لنعرف بالبداهة أنهما لا يستويان.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الذين يمثلون عنصر الخير والصلاح والتقوى ، الذي يبني للحياة قوّتها ، وللإنسان روحيته وفاعليته في حركة الحقيقة ، (وَلَا الْمُسِيءُ) الذي يسيء إلى نفسه بالكفر والمعصية ، وإلى الحياة بالانحراف والضلال ، وإلى الناس من حوله بالتعقيد والظلم والطغيان. (قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) عند ما لا تفرّقون بين هؤلاء لأنكم غارقون في انجذابكم إلى ظواهر الأشياء ، ممّا يجعلكم غافلين عن بواطنها وحقائقها ، ولكن هذه الغفلة لن تستمر أمام المصير الحاسم الذي تتكشف فيه كل غوامض الأمور. (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) وسيقف الجميع غدا في ساحاتها أمام الله الواحد ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) لأنهم لا يريدون أن يفكروا بالقضايا في خط اليقين.
* * *
(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)
(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فالدعاء يمثل في عمقه عبادة ، ويتضمن في معناه خضوعا وشعورا بالفقر المطلق والحاجة الكبيرة إلى الله ،