مما يجعل الداعي مشدودا إلى الله بالحب والإيمان والإخلاص من موقع الطهارة الروحية والانفتاح الفعلي على الله ، ولهذا كانت الاستجابة أمرا طبيعيا في ما يرحم الله به عباده ، وفي ما يتقبله من عبادتهم الخالصة الخاشعة ، وهذا هو الخط المستمر الذي يصل الله بعباده ويؤكد وعي الإنسان معنى ألوهية الله وعلاقتها بعبوديته ، في إحساس بالفقر المطلق ، أمام الغنى المطلق حيث يرتبط العبد بربه من خلال ارتباط وجوده وكل حاجاته به. وبذلك يؤمن الله للعباد حاجاتهم من خلال ما يقدّره لهم في تكوين الوجود ، وما لهم في إرادتهم.
.. وإذا كان الدعاء هو مظهر العبادة ، فإن الذين يمتنعون عنه يمثلون النموذج الذي يستكبر عن عبادة الله ، وقد حدثنا الله عما ينتظرهم (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) أذلّة ، لأن الاستكبار لا بد من أن يقابله الإذلال والسقوط والاحتقار.
* * *
الله الخالق المنعم
(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) في تخطيطه العملي لحركة الإنسان في الوجود حيث يحتاج إلى السكينة التي تريح الأعصاب ، والهدوء الذي تسكن معه المشاعر وترتاح الأفكار ، مما يتناسب مع أجواء الظلام التي تثير في الجسد النعاس والخدر والسكون (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) حيث يفتح به عيون الناس على كل حاجاتهم من خلال النور الذي تتفاعل فيه الشمس مع البصر ليستطيعوا الحصول على ما يريدون في معاشهم ، (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) في ما أنعم الله به عليهم من مفردات الوجود ومن طبيعة الحركة في داخلها ، مما يوحي للناس بالشكر لله على هذه النعم (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) لأنهم فقدوا الإحساس بالنعم المحيطة بهم ، لاعتيادهم على كل الأشياء التي تحرّكت في الكون منذ أن تحركت الحياة فيه.