المستحق للعبادة ، من خلال المضمون الإلهيّ المتمثل في ذاته في ذاته في علّيّته للوجود كلّه ، وفي هيمنته على الأمر كله ، وفي تدبيره للحياة كلها ، فكيف يتوجه الناس إلى غيره في حاجاتهم وفي قضاياهم ومشاكلهم .. وكل ما سواه محتاج إليه في تدبير حاجاته وفي حل قضاياه ومشاكله ، كما هم مشدودون إليه (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ليكون الاتجاه إليه ـ وحده ـ بالدعاء الذي هو مظهر الشعور بالحاجة والإحساس بالانتماء إليه وإلى نهجه في الفكر والحركة والحياة ، والإخلاص له في ذلك كله. وهو معنى العبادة الخالصة.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وهي الكلمة التي تعبر عن الجوّ الروحي الذي يعيشه المؤمن في تطلّعه إلى قدرة الله وتدبيره ولطفه ورحمته ، وكل صفاته ، فلا يملك إلا أن يذكره بالحمد المطلق الذي يستوعب كل مفردات الحمد ، ويتصوره في ربوبيته المطلقة التي تشمل العالمين جميعا من موقع خلقها لهم جميعا.
* * *
إسلام الأمور لرب العالمين
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي) قلها لهم بكل وضوح وصراحة ، لتكون الكلمة الحاسمة ، فقد أنزل الله عليّ البراهين اليقينيّة الواضحة التي تضع كل هذه الآلهة المزعومة في موقعها الطبيعي من حيث هي مخلوقة لله بمادتها وصورتها ، أو مخلوقة له بمادتها ومصنوعة للناس بصورتها ، فلا تملك أيّ معنى من معاني الألوهية ، ولا تتضمن أيّ سرّ من أسرار القدرة ، فلا يمكن أن أعبدها ، لأن العقل نهى عن ذلك ، كما أن الله الذي أكّد ألوهيته بهدايته لي ينهاني عن عبادة هؤلاء.
(وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) في إسلام العقل والروح والجسد ، فلا فكر لي أمام وحيه ، ولا كلمة لي أمام إرادته ، ولا انتماء لي وراء الانتماء إليه ، فله كل شيء من كل كياني ، وليس لي عليه أيّ شيء.
* * *