بغير علم ، (أَنَّى يُصْرَفُونَ) عن الحق ، ويبتعدون عن دلائله وبراهينه ، فلا يدرسونها من موقع الفكر الباحث عن الحقيقة ، بل يتحركون فيها من موقع الجدل العقيم الباحث عن أسس المكابرة.
(الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ) الذي أنزلناه عليك ليكون هدى للناس ، ونورا للحقيقة ، (وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا) من الكتب المنزلة الماضية ، كالتوراة والإنجيل ، (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عند ما يقفون بين يدي الله ، ويواجهون الحقيقة الحاسمة ، أمام المصير المحتوم ، (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) في ما يمثله ذلك من ذلّ ومن ألم لهؤلاء المترفين المستكبرين ، (وَالسَّلاسِلُ) الممتدة (يُسْحَبُونَ) بواسطتها (فِي الْحَمِيمِ) الذي يغلي ويغلي فيشربه أهل النار ويحرق داخلهم ، (ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) فيكونون وقودا للنار يحترقون بها .. وهكذا يواجهون السقوط والإذلال والاحتراق من دون ناصر ينصرهم أو مخلّص يخلّصهم. ثم ينطلق السؤال الذي يفرض نفسه في موقف تعرية لنهجهم كله.
* * *
أين شركاؤكم من دون الله؟
(ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ليأتوا إليكم ولينصروكم من الله إن كانوا في مواقع الآلهة ، كما كنتم تزعمون؟ فمن الطبيعي أن تنصر الآلهة عبّادها ، إذا كانت تملك قوّة مستقلّة ، أو تشفع لها إذا كانت تملك موقعا مميزا يسمح لها بالشفاعة عند الله.
(قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) فقد ضاعت آثارهم ، فلا نراهم أمامنا ، (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً) فقد تبخّروا وتحوّلوا إلى لا شيء ، لقد كانوا أوهاما تسيطر على أفكارنا ، لا حقيقة متجذرة في عقولنا ، فليس لهم الآن أيّ وجود في الواقع.