(كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ) في ما ينتهي إليه أمرهم الذي اختاروه ، مما يفرض ضلالهم ، نتيجة العلاقة التكوينية بين الأسباب والمسبّبات ، وعلاقة المواقف بالنتائج ، فإن الابتعاد عن حركة العقل في العقيدة ، والاستسلام للجهل ، يفرضان ضياع الموقف وخطّ السير.
* * *
فرحهم بالباطل
(ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) فقد كنتم مستغرقين في الأجواء التي تسجنكم في داخل الغفلة ، فتبعدكم عن الإحساس بالواقع ، وتدخلكم في أوهام الفرح اللّاهي الذي يوهمكم أن الأرض مهتزة بالأنغام والألحان المثيرة للسرور والبهجة ، نتيجة مواقفكم التي توحي إليكم بالانتصار والغلبة والسلطة المطلقة في ما يخدع به بعضكم بعضا ، من كلمات المدح والثناء ، ومواقف الاستكبار والاستعلاء ..
وهذه هي مشكلتكم ومشكلة كثير من الناس الذين غلب الشيطان على عقولهم وزيّن لهم سوء أعمالهم ، وحرّك في داخلهم الأوهام ، ففرحوا بالباطل الذي أعطوه عنوان الحق ، واستسلموا لفرح الدنيا ، ونسوا فرح الآخرة ، بينما كان باستطاعتهم في ساحة الرسالة الحصول على الفرح كله في عمق الفكرة ، وامتداد الحقيقة ، ولذائذ الروح ، فإن الله لم يمنع الإنسان من الفرح ، ولكنه أراد منه أن يبحث عنه في نهايات الأمور لا في بداياتها ، وفي عمق المواقف ، لا في ظواهرها ، وأن يعيشه من خلال عمل الخير وروح الصلاح وانفتاح العقل والقلب على الله.
وقد جاء في مجمع البيان ، «قيّد الفرح وأطلق المرح ، لأن الفرح قد يكون بحق فيحمد عليه وقد يكون بالباطل فيذم عليه ، والمرح لا يكون إلّا