هزء الكفار يرتد عليهم
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً) إذ كانوا يشعرون بأن قوّتهم تؤكد ذواتهم ، وتبرّر لهم تمرّدهم وعصيانهم ، أو تجعلهم يشعرون بالأمن في كل ما يقومون به من أعمال سيئة ، أو يقومون به من مشاريع ظالمة في حق أنفسهم وفي حق الآخرين.
(وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) في ما عمّروا من قصور ، وشيدوا من قلاع ، وخلّفوا من علم ، وأحرزوا من فتوحات ، وحققوا من أرباح وانتصارات وغير ذلك من الآثار التي يتركها الإنسان لمن بعده أو يقوم بها في حياته كدلالة على عظمته وقوّته ، إذ كانوا يفكرون بأن تحقيق كل تلك الإنجازات يمنحهم الامتياز الكبير الذي يعطيهم الدرجة الرفيعة عند الناس ، أو المستوى الكبير في الحياة ، بما يبرر لهم الشعور بالكبرياء والجبروت ، (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) من ذلك كله.
(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) رفضوا الرسالة ولم ينفتحوا على البينات ، وواجهوا الدعوة بطريقة غير مسئولة واستخدموا أساليب السخرية والاستهزاء .. واستسلموا للجوّ الفرح اللّاهي العابث.
(فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) الذي اكتسبوه من تجاربهم ، ومن الخبرة العملية التي أوجدت لديهم انتفاخا ذاتيا في الشخصية بحيث ابتعدوا عن الموضوعية في تقويم الأمور ومحاكمة الأفكار في جو من الطغيان العلمي ، فإن للعلم طغاته ، ويتجلى في ما يتبناه هؤلاء من نظرة فوقية إلى الآخرين ، بحيث لا يعترفون لغيرهم بأي موقع علميّ بل يواجهونه بالهزء والسخرية ، فكان جزاؤهم على ذلك الأسلوب الساخر بالرسالة ، وبالإنذار لعذاب الله وبالمعاد ، أن حمّلهم الله مسئولية ذلك ، (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)