وهكذا أنزل الله القرآن مفصّلا في آياته ، عربيّا في لغته. (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي يملكون المعرفة التي تتيح لهم فهمه بالمستوى الذي يمكن أن يتحول إلى إيمان بمضمونه.
(بَشِيراً وَنَذِيراً) فقد أنزله الله ليقود الناس إلى معرفة نهايات المواقف ونتائج الأعمال والأقوال والعلاقات ، ليفهموا أن مصيرهم في المستقبل الذي يتحرك في الدنيا ويتجاوزها إلى الآخرة ، ليبشر العاملين في اتجاه الحق والخير بالنعيم الخالد ، وينذر العاملين في اتجاه الباطل والشر بالعذاب الدائم ، ليحدد الناس مواقعهم ومواقفهم على أساس ذلك.
* * *
إعراض الأكثرية وإيمان الأقلية
(فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) لأنهم لا يريدون الاستماع لفقدانهم إرادة الاقتناع ، لأن عقولهم تجمّدت عند الرواسب الموروثة وحياتهم تحجرت عند التقاليد ، فلا يملكون سبيلا لحركة الفكر ، ولا يجدون طريقة لتغيير المواقف ، ولهذا كانوا يواجهون دعوات التغيير ، بجمود الفكر والحركة.
ولكن المسألة الإيجابية في حركة الدعوة أنها لا تفتقر بشكل كليّ إلى جمهور في بداياتها الحركية ، بل تحصل على قلة منه تملك حرية العقل وعمق التفكير ، وتعيش قلق الحاجة إلى المعرفة وإلى اكتشاف آفاق جديدة ، وتحاول النفاذ إلى ما خلف السطح من أسرار الحياة في لهفة بحثا عن أسرارها ، وهذه الأقلية هي التي تلتزم الحق ، وتستمع إلى الرسول ، وتتبعه من موقع القناعة ، وهي دائما ، الفئة المسحوقة التي لم تستسلم للضعف الذي تعيش فيه ، بل بقيت تبحث عن انطلاقه تساعدها على الانفتاح والتمرد ، وتقودها إلى الثورة في سبيل التغيير .. وهي التي تمثل فئة مرذولة من مجتمع الاستكبار ، فهي تضم