هم مكلّفون بالأصول ، وذلك لأنّ الله أنذر المشركين بالويل لأنهم لا يؤتون الزكاة ، وقد ظهر مما ذكرناه أن الزكاة الواجبة ليست مضمون الآية ليصح الاستدلال بها على ذلك ، مع ملاحظة أن قصد الزكاة لا يكون دليلا على تكليف المشركين بالفروع ، لو كان المراد بالزكاة ، الصدقة الواجبة ، لأن الآية قد تكون واردة في التركيز على ما قد يفرضه الشرك من عدم قيام المشركين بالواجبات ذات الطابع الإنساني والروحي التي تنطلق من الإيمان الذي إذا انفتح فيه الإنسان على الله ، فإنه ينفتح على كل عناصر الخير التي تتفجر من قلبه كالينبوع ، وتجري في روحه وحياته كالنهر الجاري.
وربما احتمل البعض أن يكون المراد بالزكاة ، تزكية النفس وتطهيرها من الرذائل والذنوب ، وتنمية المعاني الروحية في داخلها .. ولكن هذا الاحتمال لا يتناسب مع كلمة يؤتون لأن الإيتاء يحمل معنى الإعطاء المتعلق بالآخرين ، والله العالم.
* * *
موقف الكافرين والمؤمنين في الآخرة
(وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) لأنهم لا يعتقدون بوجود حياة أخرى ، فقد كانوا يستغربون ويستبعدون إحياء الناس بعد الموت ، لكونه أمرا غير مألوف لهم بالقياس إلى تجربتهم الحسّية التي يعتبرونها أساسا لتكوين قناعاتهم الفكرية. وإذا كانت هذه حال المشركين في ما ينتظرهم من ويل يهدّدهم به الله ، فإن للمؤمنين العاملين بالصالحات شأنا آخر.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي لا يتعقبه المن الذي قد يثقل روح الإنسان الذي يكون موردا للعطاء ، وربما فسّر المنّ بمعنى القطع ، وبذلك يكون المعنى هو أن هذا الأجر غير مقطوع ، بل يبقى متصلا مستمرّا في حجم الخلود ، وربما فسّر بمعنى الأجر الذي لا عدّ له ولا حصر.
* * *