خلق السماوات والأرض
(قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) في ما يوحي به الالتزام بالشرك من جحود في معنى وحدانية الله ، (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً) من تصوراتكم التي لا ترتكز على أساس ، لأن هؤلاء لا يملكون من قدرة الإله وقوّته وعلمه وحكمته وتدبيره وخلقه شيئا ، إلا ما ملّكهم الله إيّاه .. وها أنتم تعيشون في الأرض بكل رحابتها وتنوّع تضاريسها من سهول وجبال وبحار وأنهار ، وكثرة ما تشتمل عليه من مخلوقات ونباتات ، وهي على ما فيها من تنوّع وغنى ، فقد خلقها الله في يومين ، في ما يوحي به استعمال اليومين من معنى يشبه الزمن لجهة التتابع ، أو بمعنى الآن الزمني الذي يخضع لبعض المقاييس في علم الله مما لا نستطيع معرفته إلا بطريقة غامضة ، لأننا لا نملك التصوّر الدقيق لما لم نعش تجربته .. وقد يطلق اليوم على قطعة من الزمان تحوي حادثة من الحوادث كما في قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران : ١٤٠] وقوله : (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) [يونس : ١٠٢].
وعلى كل حال ، فإنه لا يمكن أن يكون المراد به اليوم ، الذي نعرفه في حياتنا الدنيا لأن حدوده الزمنية مقدّرة بالقياس إلى دوران الكرة الأرضية حول نفسها مرّة واحدة ، فكيف نتصور أن نفس ذاك المقياس هو تقدير الزمان الذي حصل فيه خلق الأرض قبل خلقها.
ويقول صاحب الميزان : «فاليومان اللذان خلق الله فيهما الأرض قطعتان من الزمان تمّ فيهما تكوّن الأرض أرضا تامّة ، وفي عدّهما يومين لا يوما واحدا دليل على أن الأرض لاقت زمان تكوّنها الأوّلي مرحلتين متغايرتين كمرحلة النيء والنضج ، أو الذوبان والانعقاد ، أو نحو ذلك» (١).
(ذلِكَ) الذي تتصورونه وتحسّون بعظمته عند ما تشاهدون الأرض
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٧ ، ص : ٣٦٣.