صفة الأنهار المؤمنين
(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ) وهي دار الهجرة ، وهي المدينة التي كان يسكنها الأنصار قبل قدوم المهاجرين إليها (وَالْإِيمانَ) فقد تبوؤا الإيمان وسكنوا في مواقعه الفكرية والروحية والعملية ، واطمأنوا إليه وتفيأوا ظلاله ، وهذا التعبير جار على سبيل الاستعارة في ما ارتاح إليه الأنصار من الإيمان بحيث انطلقوا في رحابه ، كما ينطلق الإنسان في رحاب منزله وأرضه ، (مِنْ قَبْلِهِمْ) فقد سكن الأنصار هذه الأرض قبل المهاجرين ، وقيل إن معناه قبل إيمان المهاجرين ، والمراد به أصحاب ليلة العقبة ، وهم سبعون رجلا بايعوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على حرب الأبيض والأحمر.
(يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) وذلك من خلال اندماجهم بالجو الإسلامي الذي يتحسسونه بعمق في مشاعرهم العاطفية ، فيستغرقون في الانفتاح عليه وعلى كل من يتحرك في داخله بالمحبة العميقة (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا) في ما قد يجده الإنسان من الضيق النفسي عند ما يأتي إليه شخص يشاركه مسكنه ، أو ماله ، أو يضيق عليه بعض مواقعه ، حتى قيل : إنه لم ينزل مهاجر في دار أنصاري إلا بالقرعة ، لأن عدد الراغبين في الإيواء المتزاحمين عليه كان أكثر من عدد المهاجرين.
وهكذا كانت هذه المحبة تمثل العمق الإيماني الذي يتحول إلى عمق في الإحساس والشعور ، بحيث إن الحب يمثل الصورة الحقيقية للإيمان. وقد جاء عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث قاله لبعض أصحابه : يا زياد ويحك وهل الدين إلا الحب ، ألا ترى إلى قول الله : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران : ٣١] أولا ترون إلى قول الله لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ٧] وقال : (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ