ومن خلال ذلك تتحرك الدعوة إلى التقوى المستمدّة من الوعي الروحي لمقام الله في وجود الإنسان وفي دوره العملي في الحياة ، كفكر وشعور وحركة ، في العمق الداخلي في الإحساس ، وفي الامتداد العملي في الحياة. فإن التقوى تبدأ لدى الإنسان كحالة في الضمير الذي يطلّ على المسؤولية من خلال المعرفة بالله والإيمان به والتعظيم لمقامه ، ثم تتحول إلى حالة في العمل ، لينضبط في موارده ومصادره ، في رقابة دائمة تحيط بالواقع كله. وإذا عاش الإنسان حسّ التقوى في حركة المسؤولية أمام الله ، فإنه يبقى متطلعا إلى حجم النتائج العملية في حساب المستقبل الذي يقف فيه الإنسان بين يدي الله ، فهو في قلق دائم من حيث طبيعة أعماله التي تقربه إلى الله ، لأن المسألة لديه أن الحياة فرصة للعمل ، وساحة للوصول إلى الله ، والقرب إليه ، مما يجعل للساعات معنى تتيح له فعل الخيرات ، لتكون الحياة دائما حسابا يستزيد الأرقام في رصيد العمل الصالح ، مما يجعل الإنسان ينتظر التقدم المتنامي على طريق ما يطمح إليه من غايات ... وهذا ما أرادت الآية أن تؤكده في الفقرة التالية ، كحركة داخلية فكرية في آفاق التقوى.
* * *
وجوب محاسبة الإنسان لنفسه يوميا
(وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) أي الآخرة التي ينتظرها وهي تحتاج إلى الزاد وهو التقوى ، الذي تختلف النتائج فيه تبعا لاختلاف حجم مراتبه. وهذا ما يفرض على الإنسان الدخول في عملية حساب يومي للحسنات والسيئات ، انطلاقا من الخوف من الله والرغبة في الحصول على ثوابه والتخلص من عقابه. وفي ضوء ذلك ، نستطيع أن نفهم هذه الدعوة إلى التحديق بما قدمه