الله مدبر الخلق
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) وقد تقدم الحديث عنها في الآيات المماثلة لها ، (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) في تعبير كنائي عن التدبير الإلهي الذي يمثل السيطرة المطلقة التي تشرف على الوجود كله ، في ما يمثله الاستواء على العرش الذي هو رمز السلطة ، من هيمنة وإشراف فعلي من موقع السلطة على إدارة الحكم في مواقعه.
(يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها) لأنه هو الذي يخلق ويدبر الأشياء التي تدخل في أعماق الأرض من مصادر النعم ، كالماء الذي ينزل من السماء ، والبذور التي تكمن في الأرض ، ومن الموجودات الحية وغيرها ، كما يخلق الأشياء التي تخرج منها ، كأنواع النبات والحيوان والماء ، (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) من الأمطار والأشعة والملائكة (وَما يَعْرُجُ فِيها) من مخلوقاته أو من القضايا التي لا تعلم طبيعتها.
(وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) لأنه محيط بكل وجودكم ، فلا تغيبون عنه مقدار لحظة (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فلا يخفى عليه شيء من دقائق أعمالكم وأسرارها وخفاياها ، الأمر الذي يفرض عليكم الاستغراق في إيحاءات ذلك ، في ما يثيره في داخلكم من المشاعر التي تفتح العقل والحس والوجدان على الرقابة الداخلية التي ترصد كل شيء في القول والفعل ، ليكون ذلك كله في مواقع رضا الله في ساحات أوامره ونواهيه (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فليس لأيّة قوة أخرى علاقة بالخلق في دائرة المبدأ ، فلا يكون لها أي دخل في دائرة المعاد (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ، فهو الذي يفصل بين عباده ، وهو الذي يحدد لهم مصيرهم ، فليس لأحد أن يتوجه إلى غيره أو يراقبه ، أو يتطلب رضاه بعيدا عن رضا الله ، لأن الله هو وحده الذي يرجع الأمر كله إليه.