الثاني لتأكيد الأمر الأول فحسب.
* * *
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ)
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ) فلم يذكروه على مستوى مضمون العقيدة والروح لتتحرك كل المفاهيم في هذا الاتجاه ، ولم يستشعروه بإحساس العاطفة لتتحرك كل نبضاتها في هذا العمق ، ولم يعيشوا حضوره الوجداني في حياتهم لتنطلق الطاعة في هذا الخط ، بل كانوا في غفلة مطبقة عن ذكره ، سواء كان الذكر باللسان أو بالقلب أو بالحركة ، وبذلك استسلموا للأجواء الذاتية واستغرقوا في أنانياتهم ، وأقاموا العلاقات الطارئة اللاهية العابثة استجابة لحركة شهواتهم المنحرفة ، بعيدا عن خط الاستقامة في حياتهم ، فكانت نتيجة ذلك كله تتمثل في الإخلاد إلى الأرض ، لا سيما بعد أن ابتعدوا عن وعي الحقيقة الروحية المنفتحة على المسؤولية في ذواتهم ، ونسوا الله (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) لا من موقع الإرادة المباشرة في ذلك ، بل من موقع القوانين الإلهية الكامنة في طبيعة الواقع الإنساني ، فإن الإنسان إذا نسي ربه ، فإنه يبتعد بذلك عن القاعدة الثابتة التي يعرف فيها موقعه في الكون ، ودوره في حركته ، من جهة ما يصلحه ، أو ما يفسده ، مما يجعله يتحسّس الواقع من خلال الأشياء الطارئة عليه من خارج ذاته ، أو من خلال الغرائز المثيرة التي تشغله عن مصيره ، وبذلك ينسى نفسه من حيث هي جزء من الحركة الكونية المسؤولة ، فيتخبط في متاهات الأهواء والشهوات ، وفي ضباب الأوهام والخيالات ، على أساس أن الحقيقة الإلهية في حضورها في الوجدان ، هي التي تعطي الحقيقة الإنسانية حضورها في حركة الحياة ، بسبب طبيعة الترابط بين ذكر الله وبين الانضباط في خط سلامة المصير.