الذي يحترم نفسه في اختيار مواقع إيمانه ورموز عبادته ، بينما يمثل الله الحق كله ، والعلو كله ، والملك كله ، والعزة كلها.
وإذا كانت البراءة هي الموقف ، فإنّ من الطبيعي أن يكون الكفر بهم هو النتيجة (كَفَرْنا بِكُمْ) لأنكم لا تمثلون أساسا للإيمان ، (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ) لأننا نعادي أعداء الله ، ونبغض المتمردين عليه والمنحرفين عن خط رسالاته ، وسيستمر ذلك (أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) ولا تشركوا به شيئا ، فذلك هو خطنا في الحياة في مسألة الموالاة سلبا أو إيجابا ، ولن ننحرف عنه في أي موقع من المواقع العامة والخاصة ، ولم يحدث هناك في ماضينا إلا في حالة واحدة (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ) الذي كان مشركا مع المشركين : (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) لا من موقع الولاية التي ينتفي فيها الحاجز النفسي بينه وبينه ، بل من موقع الرغبة في هدايته بهذا الوعد الذي يمثل أسلوبا من الأساليب العملية في منحه الفرصة الأخيرة للتراجع والانفتاح على الله ، فقد أعلن له أنه سيطلب من الله له الغفران بأن يوفقه للسير في طريق الهداية ، ولكنه لم يمنحه الأمل الكبير المطلق ، بل ترك الأمر خاضعا لله (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) لأنه وحده الذي يملك الهداية ويمنح المغفرة ، وليس للعباد من ذلك أي شيء ، إلا أن يرفعوا الأمر إليه ، ويخضعوا بين يديه في ابتهال الإخلاص ، وفي خشوع التوسل والعبادة الخالصة (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا) فها نحن عبادك السائرون في طريق الجهاد والطاعة والمعاناة ، وسنواجه التحديات ولن نتراجع ، وسنتابع السير ولن نسقط ، مهما واجهتنا الصعوبات ووقفت أمامنا العقبات ، ما دمنا نتوكل عليك ، فأنت وحدك موضع الثقة المطلقة في أن تخلصنا من ذلك كله ، (وَإِلَيْكَ أَنَبْنا) أي رجعنا إليك ، وتركنا كل الناس خلفنا إلا الذين كانت وجوههم متجهة إلى عرش ربوبيتك ، فنحن معهم لأنهم معك (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فأنت غاية الغايات ، وستجتمع كل الموجودات إليك كما انطلقت منك منذ بداية الوجود. وإذا كنّا نؤمن بأننا نصير إليك ، فإننا نبقى في الطريق التي تصلنا