الإيمان بالله والإنفاق في سبيله
(آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) فإن الإيمان العميق المرتكز على أساس الفكر الهادىء والوجدان المنفتح ، يفتح للإنسان الكثير من الآفاق الرحبة في وعي الحركة الجادة في حياته ، ويبصره الكثير من الأوضاع الغامضة التي يمكن للإيمان في مفرداته العقيدية أن يمنحها شيئا من الوضوح ، ويعرفه طبيعة الدنيا ومواقع الأمان فيها في مواجهة مواقع الخوف ، ويربطه بالآخرة في اعتبارها هدفا متحرك في كل ما يقوم به الإنسان من أعمال ، وما يصدر عنه من أقوال ، وما يتخذه من مواقف ، وما يديره من علاقات ، لأن الإيمان هو عمق الفكرة والإحساس والحركة والخط والهدف لدى الإنسان المؤمن في كل وجوده ، ومن هنا كان هو العنوان لكل قضاياه وأوضاعه ، لأنه ليس كلمة تقال ، بل هو الكيان كله في معناه الشامل للإنسان.
(وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) فليس المال الذي تملكونه فيما بين أيديكم من النوع الثابت والمتحرك ، مما تملكون فيه حرية التحريك من ناحية ذاتية على أساس أنه شأنكم الذاتي الذي لا يحمل أيه مسئولية في حسابات العطاء الإنساني ، بل هو ملك الله الذي يملك منكم ما لا تملكونه من أنفسكم ، فهو من موقع خلقه للوجود كله ، يملككم ويملك ما تملكون ، وقد حدد لكم الوظيفة في تصرفكم فيه ، فحلل بعض الأشياء وحرّم بعضها ، وأراد لكم أن تنفقوا منه على كثير من موارد الإنفاق في سبيله ، في ما يحتاجه المحرومون بجميع فئاتهم ، ويحتاجه الجهاد بجميع مواقعه ، وتحتاجه الحياة العامة بكل جوانبها ، وذلك من صفة خلافتكم على المال ، ووكالتكم بالتصرف فيه ضمن الحدود التي حددها لكم ، مما يجعل من الملكية وظيفة شرعية ، لا حالة ذاتية مطلقة في ما يملكه الإنسان من امتيازات. وإذا كانت المسألة في هذا النطاق