وسعادته في الدنيا والآخرة. وهذا مما يوحي إليه بخطورة المسألة التي لم يعهد التعبير عن غيرها بهذا الأسلوب العنيف الذي يضع المسألة في أعلى درجة من الأهمية ، لأنّه يمثل في النطاق الذاتي لونا من ألوان الخداع والغش في إعلان الموقف الإيماني الذي يعني الميثاق مع الله على تحويل ذلك إلى موقف عملي. وأية جريمة أعظم من جريمة خداع الإنسان لربه. أما في النطاق الاجتماعي ، فإنه يمنع قيام أية ثقة اجتماعية بين الناس في ما يتحركون به على مستوى العلاقات والمعاملات على أساس ما يعلنونه من التزامات الإيمان ، عند ما تكون الأخلاق العامة في هذا المستوى السلبي من الوفاء بالالتزامات الخاصة والعامة ، أو ما يثيرونه من الالتزامات الخاصة في ما بينهم. وأما في نطاق الدولة ، فإنه يمنع القيادة من الشعور بالقوة أمام المشاكل الصعبة والتحديات الكبيرة التي تواجهها في مسألة الأمن والنظام ، مما يؤدي إلى اختلال النظام العام للأمة بالمستوى الذي يعرضها للضعف ويدفعها في نهاية المطاف إلى السقوط والانهيار.
وعلى ضوء ذلك ، فإنّ هذه القيمة الأخلاقية ـ وهي التطابق بين القول والفعل ـ تمثل العمق الإيماني الذاتي على مستوى الفرد ، والقيمة الاجتماعية على مستوى تماسك المجتمع في علاقاته العامة والخاصة ، والأساس القوي لقوة الدولة في التزام الأمة بالقيادة في مسئولياتها العامة.
وإذا كانت الرواية السابقة قد ذكرت نزول الآيتين في حديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الجهاد ، فإن ذلك يمثل النموذج الحي الذي يعطي الخط العريض لكل النماذج الأخرى في كل أحكام الإسلام وشرائعه.
* * *