أَنْصارَ اللهِ) فإن الإيمان بالله يفرض عليكم ذلك ، في ما يفرضه عليكم من الذوبان في روحية العبودية له والالتزام بكل مواقع رضاه ، (كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ) الذين عاشوا الرسالة فكرا وروحا وحياة حتى اندمجوا معه في كل مشاريعه الرسالية : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) في نداء يريد أن يؤكد الالتزام ويعلنه في عملية فرز ظاهر للمؤمنين وغير المؤمنين ، في الامتحان الذي يدلل على عمق الانتماء وطبيعة الموقف ، ويعمل على أن يثير مشاعر الآخرين ليتعاطفوا مع دعوته ، ويوحي للأعداء بأنّه قادم بأنصاره إلى ساحة الصراع. (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) ولذلك كنّا معك في موقع النصرة الملتزمة بخطك ونهجك وموقعك ، لأنك رسول الله الذي أراد منّا أن نكون معك لنكون مع رسالته.
وهكذا تمّت عملية التمايز للناس تبعا لموقفهم من عيسى عليهالسلام (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) بعيسى ورسالته (وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ) به (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) أي غالبين ، بحيث استطاعوا أن يثبتوا الحق في موقفهم بالحجة والبرهان ، كما تمكنوا من الوصول إلى هدفهم الكبير من إبقاء وجودهم حيا فاعلا أمام التحديات التي كانت تريد إلغاء مواقعهم الرسالية ، ليبقى الكفر وحده هو القوة الفاعلة ، وهذا لون من ألوان الغلبة التي تشمل الانتصار على خطة العدو في إلغاء الوجود كله.
* * *