(وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) اختار الإيمان بالله من خلال انفتاحه على عمق الفطرة وسعة التفكير ووعي الكون كله ، في سر الإبداع فيه وفي صفاء التحليل بطبيعته ، وروعة الاستنتاج من تفاصيله ، فعرف الله في خلقه ، فآمن به في كل وجوده ، وخضع له في حركة حياته. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فهو المطلع على كل مواقع الإيمان والكفر في ما كنتم تتحركون به من أسبابهما ، فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة.
* * *
خلق السماوات والأرض بالحق
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) فلم يكن للباطل أيّ موقع في خلقهما ، بل كان كل شيء فيهما منطلقا من غاية وخاضعا لحكمة ، ومتحركا في خطة تربط الوجود كله برباط واحد يجعل لكل ظاهرة موقعا يتصل ببعض المواقع الأخرى ، لتكون كل واحدة مكملة للأخرى في تحقيق الهدف الكبير.
ولعل الإيحاء بالحق في خلق السماوات والأرض يشير إلى الحق في خلق الإنسان وفي حركة وجوده ، فلا مجال فيه للعبث ولا للباطل ، مما يوحي بالمعاد الذي هو المظهر الحي للغاية التي خلق الإنسان من أجلها ، ليواجه الإنسان في الآخرة نتائج عمله في الدنيا ، لتكون لديه الجدية في مواجهة كل الأشياء المحيطة به ، وكل الأوضاع المجتمعة عنده على أساس الحق ، في ما هي الحكمة في العمل ، والغاية في مواقع الهدف.
(وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) في ما تتمثل به الصورة العامة للإنسان من تناسق الأعضاء ، وترتيبها وتجهيزها بالأجهزة المتنوعة المتكاملة ، في تحقيق النتائج العملية التي تنسجم مع الحكمة التي خلق الإنسان من أجلها في طاعته لربه