(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا) لأن طبيعة المعطيات التي بين أيديكم من البينات الواضحة تفرض عليكم هذا الإيمان ، وتؤكد لكم طبيعة هذا الإشراق الداخلي للحقيقة الإيمانية في العقيدة والشريعة ومنهج الحياة ، في هذا القرآن الذي أنزلناه ليكون النور الروحي الذي يشرق في عقولكم ، ويمتد في قلوبكم ، ويتحرك في وجدانكم الشعوري ، فإنكم إذا تأملتموه وتدبرتم آياته ، ووعيتم مفاهيمه ، عرفتم أنه كلام الله الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت : ٤٢]. ولكن مشكلتكم أنكم تغلقون على أنفسكم نوافذ المعرفة الحقة ، بالابتعاد عن الانفتاح على الحقيقة من موقع التأمل ، ولن تنفعكم كل هذه الاستعراضات الاستكبارية وكل التبريرات الاعتذارية ، لأن الله مطلع على ذلك كله ، (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) بكل ما توحي به الخبرة من معنى المسؤولية في الجزاء على كل الأعمال الشريرة في تاريخكم العملي.
* * *
ذلك يوم التغابن
(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) الذي يجمع فيه الناس ليوم الفصل ، (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) الذي يفكر فيه كل فرد بأن الفرصة التي منحها الله له في الدنيا ، في ما أعطاه من عمر وهيأه له من إمكانات ، كانت تحمل في داخلها الكثير مما كان يمكنه الحصول على نتائجه في الآخرة ، بالمستوى الذي يعتبر فيه نفسه مغبونا ، إذا قارنها بالنتائج الحاضرة التي حصل عليها الآن ، سواء أكانت نتائج إيجابية لأنه كان قادرا على أن يحصل على الأفضل منها ، أم كانت نتائج سلبية لأنه كان متمكنا من الحصول على النتائج الإيجابية بدرجاتها المتفاوتة ، فتكون المسألة أن الجميع لم يقدّروا الفرصة التي فاتت حق قدرها ، تماما كمن باع سلعته بأقل من ثمنها ، حيث يعتبر مغبونا. وفسره البعض بأن اعتبر التغابن بين