يجمع الصالحين مع ذرياتهم يوم القيامة في دار النعيم. وهكذا يتحرك الإنسان المؤمن في كل ما يملكه من حطام الدنيا ، وفي ما يأخذ به من زينتها ، لينظر إليه في مواقع المسؤولية التي تقربه من الطاعة ، وتبعده عن المعصية ، وليطلب به الأجر العظيم عند الله ، (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) في ما وعد به عباده من الثواب على طاعته.
* * *
(فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)
(فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) لأن تقوى الله هي الغاية التي ينبغي للإنسان أن يبلغها في حركة المسؤولية في حياته ، بحيث يشعر بالحضور الإلهي من جميع جوانبه ، في مواقع المراقبة والمحاسبة والمجاهدة ، فتستقيم بذلك خطواته في الطريق المستقيم.
وإذا كان الله قد أمر بالتقوى بقدر الاستطاعة ، فليس المقصود تحديد التقوى بهذا الحد ، بحيث لا تحسن التقوى في ما وراء الاستطاعة ، بل الظاهر أن المقصود بها هو بذل كل الجهد في ما تقوم به الطاقة الإنسانية في هذا السبيل ، في إيحاء خفي بأن عليه تنمية طاقته فيها كلما استطاع الاستزادة منها ، لأن التقوى تمثل القيمة العليا في ميزان القيمة عند الله. وبهذا لا يكون هناك أي تناف بين هذه الآية وبين قوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٠٢] التي قد يستوحي منها البعض لزوم أن تكون التقوى بالقدر الذي يستحقه الله في موقع ألوهيته وربوبيته ، مما يتجاوز حد الطاقة الإنسانية الطبيعية ، لأن الظاهر منها هو التأكيد على نوعية التقوى التي تمثل جانب العمق في الالتزام ، بحيث لا يكتفي الإنسان بالجانب السطحي الذي يرتبط بالصورة والشكل ، بل ينفذ إلى المضمون الروحي المنفتح على الله في مواقع عظمته في داخله ،