ومخارجه من خلال الوسائل التي يملكها في ساحته العملية ، فإن عليه أن لا يستغرق في حدود هذه الوسائل ، بل يفكر بطريقة إيمانية بأن الله الذي أخرج النبتة من قلب الأرض الميتة ، ومنح الأرض الجرداء الحياة من خلال المطر النازل عليها ، وأجرى الرزق للحشرات الدقيقة في أعماق الأرض ، وخلق الأقوات للهوام المنتشرة في الفضاء ، هو القادر على أن يبعث إليه رزقه من غير الأماكن التي يترقبه فيها ، وبغير الوسائل التي يملكها ، فيرزقه من حيث لا يتصور ولا يحتسب ، ليكون ذلك أشبه بالمفاجأة التي تصدم يأسه ، وتحطم شعوره بالخيبة والضياع.
* * *
(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)
(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) لأنه الذي يملك الأمر كله ، فهو يملك الناس كلهم ، والحياة كلها ، ويملك ما يملكه الآخرون ، لأنه هو الذي منحهم الملك والقدرة على تحريكه في كل مواقع الحركة ، مما يجعل التوكل عليه انطلاقا من مواقع الثقة الثابتة التي لا مجال فيها لأي اهتزاز روحي ، لأن الله هو الذي تتحرك الأشياء من موقع إرادته ، فإذا أراد شيئا كان ، فلا يمنعه من تنفيذ إرادته مانع في الأرض ولا في السماء ، (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) [الطلاق : ٣] ، (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس ، ٨٢]
* * *