خشوع قلوب المؤمنين لذكر الله
قد يحتاج المؤمنون في خصوصيتهم الإيمانية من حيث عمقها في الروح وفاعليتها في الشعور والوجدان إلى هزة روحية تخاطب أفكارهم ومشاعرهم ، حتى لا يتجمد فيها الإيمان فيتحول إلى معادلة عقلية لا تحمل أي نبض في الروح ، أو يزحف إليهم الباطل فتخشع قلوبهم لرموزه ، وحتى لا تتحجر القلوب فلا تخشع لذكر الله ، ولعظمة الحق في الإسلام ، مما يفرض عليهم أن يتعمقوا في التصور ، ليتعرفوا إلى الله في مواقع عظمته وأسرار قدرته ، ويستغرقوا في مواضع نعمه ، ليدركوا أنه وحده الذي يملك الأمر كله ، ويهيمن على الوجود بكل موجوداته وحركته.
ثم لا بد لهم من أن يستعيدوا في وعيهم العقلي وفي وجدانهم الروحي الآيات التي أنزلها الله على رسوله ، في ما تشتمل عليه من حقائق العقيدة ونظام الشريعة ومنهج الفكر والحياة وحركة الإنسان في الواقع ، ليدركوا أن هذا الفكر الذي يستمد حيويته وقوته من وحي الله ، هو الفكر الذي يجب أن يلتزموه ، وأن يتمثلوه في وجدانهم ، وأن يحملوه في حركتهم في الحياة ، كعنوان للانتماء وللوعي وللحياة ، لأن ذلك هو الذي يحميهم من الانحراف ، وينقذهم من الضلال ويعمق في داخلهم وفي امتداد مسيرتهم على مدى الزمن معنى الرقة في القلب والخشوع في الروح ، حتى لا تؤثر عليهم المؤثرات السلبية التي ترهق القلب ، وتجفف ينابيع الروح.
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) قد يكون هذا الحديث للمؤمنين الذين يستعجلهم الله للحصول على حالة الخشوع القلبي الذي يجعل كيان المؤمن كله خاشعا له ، في اهتزاز الشعور بالعظمة والنعمة في إيحاءاته بالمحبة من جهة ، والخوف من جهة أخرى ، حيث يمتزجان في كل مشاعره وأحاسيسه وأفكاره ، ليجعلا منه الإنسان المنفتح على الله الخاضع له.