وصدقهما وجديتهما ما لا يعرفه الآخرون ، فلا يبقى لهما أيّ عذر في الانحراف عن خط الرسالة والرسول ، ولكن المشكلة أنهما كانتا غير جادّتين في مسألة الانتماء الإيماني والالتزام العملي ، فلم تنظرا إلى المسألة نظرة مسئولة ، بل عاشتا الجو العصبي الذي يربطهما بتقاليد قومهما ، فكانتا تفشيان أسرار النبيين في ما قد يسيء إلى مصلحة الرسالة والرسول ، وكانتا تبتعدان في سلوكهما عن منطق القيم الروحية الإيمانية لتبقيا مع منطق الوثنية ، مما يجعل البيت الزوجي النبوي يتحرك في دائرة الجاهلية إلى جانب دائرة الإيمان ، ولعل ضلال ابن نوح كان خاضعا لتأثير والدته ، ويقال : إن امرأة لوط كانت تخبر قومها بالضيوف الذين يزورون زوجها ، ليقوموا بالاعتداء عليهم ، فكانت خيانتهما للموقف وللموقع.
(فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً) ولم تنفعهما صلتهما الزوجية بالنبيّين في إنقاذهما من المصير المحتوم ، لأن المسؤولية لدى الله تبقى في النطاق الفردي الذي يتحمل فيه كل إنسان مسئولية عمله ، من خير أو شرّ ، فلا قيمة للعلاقات بالخيّرين إذا كان المتصل بهم كافرا شريرا ، كما لا قيمة للعلاقات بالأشرار إذا كان المتصل بهم مؤمنا خيّرا. وهكذا واجهتا الموقف الحاسم الذي يفرضه كفرهما وخيانتاهما العملية للنبّيين ، (وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) لأن القاعدة التي فرضت دخولهم في النار هي التي تفرض دخولكما فيها.
* * *
امرأة فرعون ومريم مثل للمؤمنين
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ) التي كانت في موقع السلطة العليا التي يملكها زوجها ، فكانت في مقام الملكة لشعبها ، وكانت