ورسله. وذلك هو امتحان السلاح في مواقع القوة للذين يملكونه ، فيطغى به بعض على الله ، ويلتزم بعض آخر بمنهج الله في إدارة مسألة القوة في الحياة ، في الخطوط التي يرضاها الله ، (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) فلم تكن الدعوة لنصرته ناشئة من موقف ضعف يوحي بالذل ، فهو القوي الذي لا قوة لأحد أمامه ، وهو العزيز الذي لا عزة لأحد معه ، بل كانت منطلقة من دائرة الامتحان الذي يتميز به المؤمن من غيره ، عند ما يحرك القوة التي هي نعمة من الله ، في طاعته سبحانه.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) في حلقات متصلة من السلسلة المباركة في حركة النبوات والرسالات من أجل أن تعيش البشرية في كل تاريخها مع القيادة التي تملك شرعيتها من اصطفاء الله ، وتملك وعيها الفكري والروحي والعملي من خلال رسالاته. وكان نوح الرسول الذي يمثل الأبوة الثانية للبشرية إلى جانب حركته الرسالية الفريدة في طبيعتها وصبرها الممتد مع القرون.
وكان إبراهيم الرسول المميز في تنوّع آفاقه وتجربته ، وفي صفاء روحيته ، وبساطة أسلوبه ، مما جعله عنوانا للمضمون الروحي العملي لكل الرسالات من بعده.
وهكذا كانت النبوات في شخصيات رموزها من الأنبياء تنتهي بالنسب إلى هذين الرسولين العظيمين اللذين يوحي الحديث عنهما بهذه الطريقة بالجانب العميق المميز من شخصيتهما ، لا بالجانب النسبي الذاتي منهما.
ولكن ذريتهما التي احتوت النبوات وحملت الكتاب لم تستقم على هذا الخط بجميع أفرادها ، بل اختلفت في ذلك (فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ) وهم الذين تحركوا في خط النبوة ، كأنبياء وكمؤمنين (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) وهم الذين انحرفوا عن الخط واتبعوا شهواتهم ومطامعهم وابتعدوا عن الله (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ