وهكذا سمع الله قول هذه المرأة المستضعفة التي كانت تتحدث مع النبي (وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ) فتطلب منه حلا شرعيّا ، فلم تكن مقتنعة بأن هذه الكلمة الطائشة الصادرة من زوجها تستطيع إنهاء الزواج ، فهي كلمة غير واقعية ، فكيف يشبهها بأمه لتحرم عليه كما تحرم عليه أمه ، فللأمّ عمق النسب الخاضع لحرمة العلاقة العضوية في اللحم والدم ، فكيف يكون للزوجة ذلك. فإذا لم تكن الكلمة واقعية ، فلن يكون مضمونها الشرعي ـ في ما يستهدفه الزوج منها ـ واقعيا. ربما كانت تفكر بهذه الطريقة.
(وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) وهو اللطيف بعباده ، الرحيم بهم (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) حيث يسمع كل شكاواهم في داخل ذواتهم ، ونجاواهم في دائرة حوارهم مع الآخرين ، ويبصر كل مواقع الحزن والألم في حياتهم.
وتلك هي الرحمة الإلهية التي يحس الإنسان بروحيتها في عمق شعوره عند ما يستمع الرب العظيم الرحيم إليه وهو يطلب منه حكما شرعيا لحل مشكلته الزوجية ، كما يطلب منه في موقف آخر رزقا غذائيا لحل مشكلته الغذائية. وهذا هو الحل بكل تفاصيله الشرعية.
* * *
مفهوم الظهار وحكمه
(الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ) كما كان يفعل الجاهليون ، فينفصلون عن زوجاتهم بهذه الكلمة التي يقول فيها أحدهم لزوجته : أنت عليّ كظهر أمي ، كناية عن حرمتها عليه جنسيا كحرمة أمه عليه ، (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) فليست الكلمة قريبة من الحقيقة ، فإن الحقيقة غير هذا (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) في ما تمثله الولادة من علاقة المولود بالوالدة بطريقة عضوية ،