الوضوح لديه على حدّ سواء ، (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) فقد يبدو من الآية أن هناك قوما كانوا يجتمعون في اجتماعات سرية ويتحدثون فيما بينهم بطريقة توحي بالإثارة التي تترك مجالا واسعا للخوف والقلق في طبيعة المواضيع العدوانية ضد المسلمين ، وأن النبي كان قد نهاهم عن ذلك ، فيعدونه بالامتناع (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ) تمردا وعنادا واستهتارا.
(وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) فقد كان هؤلاء من المنافقين ، أو من اليهود الّذين كانوا يعملون على تركيز قاعدة النفاق في محاولاتهم المتنوعة في إرباك الواقع الإسلامي في حياة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمين. ولهذا فقد كانت نجاواهم تتضمن التخطيط للإثم في ارتكاب ما حرمه الله ، والعدوان على الأمن الإسلامي العام ، ومعصية الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، في ما يأمر به أو ينهى عنه ، في ما يتعلق بالتشريع أو بإدارة الحكم الإسلامي في مفرداته التنظيمية.
* * *
التحية بين الجاهلية والإسلام
(وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) كدلالة على الخبث والعداوة والاستهانة بك، وقد جاء في أسباب النزول بما معناه أن أناسا من اليهود دخلوا على رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم وقالوا : السلام عليك يا أبا القاسم. والسام هو الموت. فقال الرسول : وعليكم ، فنزلت هذه الآية (١) وقد دلّت هذه الرواية على اللباقة الرائعة التي كان يتمتع به الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حيث كان يرد على
__________________
(١) يراجع : الواحدي ، أبو الحسن علي بن أحمد (النيسابوري) ، أسباب النزول ، دار الفكر ، ١٤١٤ ه ـ ١٩٩٤ م ، ص : ٢٢٩.