في أجواء السورة
هذه السورة من السور المدنية ، كما هو المعروف بين المفسرين ، وكما هو الظاهر من آياتها التي يتحرك فيها التأكيد على الإيمان الفكري الذي يختزن في داخل الشخصية الإسلامية الإحساس بعظمة الله في آفاق الإبداع الكوني المنطلق من قدرته وتدبيره ، الخاضع له كل شيء ، لينطلق ـ من خلال هذا الامتلاء الروحي بالله ـ إلى التحرك في خط الانقياد العملي إليه ، في حركة الإرادة الإلهية في احتواء الإرادة البشرية الإيمانية ، في عملية التصور النقي للعناوين الكبرى في أوامر الله ونواهيه ، والممارسة الدقيقة المنضبطة ، ليكون الإنسان المؤمن إنسان الله الخاضع له في ساحة العبودية في تحويل الحياة إلى ساحة واسعة في طاعته.
ومن هنا ، كانت هذه السورة ، في فاتحتها ، حركة إيحائية في مسألة الإيمان الذي يخترق القلب ليعيش في كل إحساساته الإخلاص لله ، ليسبحه في كل إمكانات التعبير لديه ، ولينضم إلى كل ما في السماوات والأرض في حركة التسبيح الكوني الذي تختلف تعابيره ، وتتنوع مظاهره ، ولكنها تتوحد في الحقيقة الناطقة بوحدانية الله وعظمته ، ليتعمق الإيمان ، وليصفو ، وليتجرد من كل الأثقال التي تمنعه من الانطلاق بعيدا في رحاب الله ، مما يفرض عليه ملاحقة كل الأوضاع والمتغيرات التي تطرأ على الفكر لتغير بعض مفاهيمه ،