الإفساح في المجالس
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) وهذا لون من ألوان الأدب الإسلامي الاجتماعي الذي يتناول موضوع الأدب في الجلوس ، فقد يجلس الناس حول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو حول أي شخص مرموق ممن يحتاج الناس إليه لعلمه أو لغير ذلك مما يتصل بحياتهم ، بحيث لا يجد القادم مكانا للجلوس إليه ، لأنهم ليسوا مستعدين للتنازل عن مكانهم الذي يجلسون فيه في غير حاجة ، أو للتوسع في المكان ليجلس فيه هذا القادم ، بفعل التعقيدات الذاتية التي تعيش في نفوسهم. فكانت هذه الآية من أجل توجيههم إلى ضرورة التوسع في المجالس ، في ما يملكون من السعة فيه (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) والنشوز هو الارتفاع عن المكان والمراد به هو القيام منه ، والتنازل عنه لمن هو أكبر سنا وأفضل علما وأكثر تقوى ، في ما يمثله ذلك من الاحترام له ، فإن ذلك هو النهج الذي ينبغي للمسلمين أن ينتهجوه في علاقاتهم الاجتماعية في توقير الكبار في السن ، وتعظيم العلماء والأتقياء ، بالطريقة التي توحي بذلك في السلوك الاجتماعي العام.
(يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) أي ما يمثله الإيمان من قيمة كبيرة عند الله ، (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) فإن للعلم قيمته الكبيرة عند الله ، القيمة التي يريد للناس أن يؤكدوها في حياتهم في المظهر الخارجي ، كما هو الحال في الشعور الداخلي. وربما كان في المقارنة بين المؤمنين والعلماء في رفع الدرجة عند الله إيحاء بأن اقتران هاتين الصفتين هو القيمة العظيمة في ميزان التعظيم لديه ، (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) في ما يراقبه من أعمالكم في مواقع طاعته.
وقد نستوحي من هذه الآية أن على الناس أن ينظروا إلى مسألة المكان نظرة واقعية بسيطة ، فلا يعتبروه قيمة كبيرة في ذاته ، بحيث يكون التوسّع فيه