(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) فأحاط بكل أفكارهم ، فلم ينفتحوا على فكر الحق ، ونفذ إلى قلوبهم ، وتمكن منها ، وتحرك في كل نبضاتها وخفقاتها ، وامتد إلى كل آفاقها ، فلم يطلّوا على آفاق الله ورحاب الخير ومواقع الإيمان ، وانطلق إلى مواقع خطواتهم فبعثرها ، وانحرف بها عن الصراط المستقيم ، وأثار فيها الكثير من أجواء الشر والفساد ، (فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ) في الكلمة ، فلا تنطلق به ألسنتهم ، وفي الموقف فلا تعي حضوره ذهنياتهم ، فاستغرقوا في الباطل كله ، يقدسون رموزه ، ويتحركون في مخططاته.
* * *
أولئك حزب الشيطان
(أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ) لأنهم التزموا منهجه ، واتبعوا خطواته ، وصاروا من جماعته ، وعاشوا في أجواء إغراءاته وتهاويله ، وابتعدوا عن الله ، وكذبوا رسله ، ورفضوا شريعته.
(أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، ففقدوا النعيم في الجنة ، وعاشوا في عذاب النار وبئس المصير.
(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) بالعناد والاستكبار والتمرد عليه وعلى رسله ورسالاته (أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) لأن العزة الله جميعا ، فهو الذي يملكها في ذاته المقدسة ، وهو الذي يمنحها لغيره في ما يهيئه من أسبابها وفي ما يعطيه من مواقع القوة فيها ، فلا عزة لغير الله إلا منه ، فكيف ينطلق هؤلاء المنافقون ليأخذوا العزة من المشركين واليهود ، وماذا يملك أولئك منها ليستمدوا قوتها من قوتهم؟ وإذا كان الأمر في الدنيا بهذه المثابة ، فكيف يواجهه هؤلاء الموقف يوم القيامة حيث يكون الأمر كله لله؟