(كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) كيف نتصور هذه الغلبة ، هل هي الغلبة في الحجة ، في ما تمثله حجة الإيمان من قوة ، وفي ما تختزنه حجة الكفر من ضعف ، أو هي الغلبة في الإسناد الغيبي ، في ما يؤيد الله به رسله من إنزال الآيات المعجزة ، أو إنزال العذاب على المكذبين من الكافرين والمشركين ، أو هي الغلبة في ساحة الصراع في حركة القوة ، لتكون الغلبة للمؤمنين على الكافرين في تأكيد الوجود الإيماني في عقائد الناس ، وفي حركتهم العملية في خطوطه التشريعية؟
قد يكون الظاهر من الآية إرادة الغلبة بكل هذه المعاني ، في ما يريد أن يؤكده من غلبة المؤمنين على الكافرين في كل مواقع الصراع.
* * *
كيف نفهم غلبة الله ورسله؟
وقد يثير البعض بعض علامات الاستفهام حول مسألة الغلبة في الواقع ، لما نلاحظه من سيطرة الكفر على الإيمان في قوته العملية ، لما يملكه من وسائل القوة المدمرة الساحقة في كل مجالات الحياة العامة والخاصة ، مما لا يملك الإيمان إلا القليل القليل منه. فكيف نفسر ذلك؟
والجواب عن ذلك أن من الممكن أن يكون المقصود بالغلبة هنا هو انتصار الإسلام على الكفر ، على صعيد النتائج العملية ، عند ما يفشل الكفر في محاولاته الكثيرة في إبعاد الإسلام عن الواقع الفكري والعملي ، فيندفع الناس إلى الإيمان به ، واعتناق أفكاره ، والتزام مناهجه وشرائعه ، ليسقط الكفر في ساحة الصراع ، فلا يستطيع القضاء على الإيمان والمؤمنين. وهكذا رأينا القضية تتجسد في الموقف القوي للإيمان ، ثم يعود الصراع من جديد ، وهكذا