يقودكم إليه منطق العقل السليم. إنها مسألة الاستغراق في جزئيات الحياة الدنيا ، والإخلاد إلى الأرض بكل ما يعنيه ذلك من الالتزام بقيم المادة والابتعاد عن قيم الروح ، واعتبار الدنيا نهاية المطاف ، مما يبعث على إنكار الحساب والعقاب ، فيكون ذلك أساسا لانفتاح القلب على أحلام اللذات والشهوات ، ومواقع الاستكبار الذاتي الذي يبعد الإنسان عن وعي الحق ، ويمنعه من دراسة النظام الذي تتحرك حياته في خطه ، في ما يقتضيه ذلك من أدب المسؤولية ، وروحيّة الموقف المتوازن.
إن مسألة التكذيب بالدين والتصديق به ، تمثل الحدّ الفاصل ، بين الحياة التي تنفتح على الله في كل معاني الخير والطهر والسلام ، وبين الحياة التي تستغرق في الذات ، وتلتقي بالخط المهتز الذي لا يملك أيّة ضوابط للثبات ، مما يجعل من قيم الحياة شيئا خاضعا لنزوات النفس ونداءات الغريزة ، بحيث يكون الخير والشرّ خاضعين للمقياس الذاتي ، لا للمقياس الموضوعي الذي يتمثل في رضوان الله وغضبه. ولكن هل يجعل ذلك لكم أساسا من الأمن؟
وهل يكون إنكاركم ليوم الدين موجبا لإلغاء المسألة من الأساس؟ إن ذلك لا ينطلق من قاعدة ، لأن التكذيب بالحقيقة لا يلغي الحقيقة ، فلا بد لكم من أن تخرجوا من هذا الجوّ المظلم الذي وضعتكم فيه شهواتكم الذاتية ، لتعرفوا أن هناك يوما للجزاء ، وأن الدنيا هي الساحة التي تتحدد فيها مواقعكم هناك ، وأنكم محاسبون على كل شيء تعملونه فيها ، وأن الله يحفظ عليكم كل دقائق القول والعمل.
* * *
(إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ)
وهذا ما أراد الله تأكيده (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) يحفظون عليكم أعمالكم بكل دقة ، (كِراماً كاتِبِينَ) من الملائكة الذين أكرمهم الله بكرامته فقرّبهم إليه ، وأوكل إليهم كثيرا من المهمات المتعلقة بالكون والحياة