خلقه الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسياسيّ ، إنسان العدالة الذي يفكر في الواقع من خلال المبدأ لا من خلال الذات ، فيربّي ذاته على أساس التوازن في العلاقات والمعاملات بينه وبين الناس.
* * *
التطفيف في خط المسألة الاقتصادية
وإذا كانت هذه السورة مكية ، فإنها تمثل الانفتاح الإسلامي على المسألة الاقتصادية في بعض مفرداتها ، بشكل مبكّر ، كما تمثل التحدّي للواقع الاستكباري الذي كان يتمثّل في سلوك الطبقة المترفة من قريش ، المسيطرة على التجارة العامة للمنطقة ، حيث كانت تستغل هذه القوّة الاحتكارية في سبيل ظلم الناس حقوقهم بهذه الطريقة.
وربما كان هذا الاتجاه في المواجهة الحادّة للواقع الاقتصادي المنحرف ، هو الذي زاد في الهجمة القرشية على النبي في أواخر إقامته بمكة في تفكيرهم بقتله أو حبسه أو إخراجه من مكة ، لأنهم قد يصبرون على هجومه على الأصنام التي يعبدونها من خلال خطّه التوحيديّ ، على أساس أنّ عقليّتهم الدينية في إشراكهم بالله في العبادة قد تمثل حالة تقليدية يمكن أن يتساهلوا فيها في ما يواجهها من تحدّيات ، ولكنهم لا يصبرون على هجومه على أوضاعهم الاقتصادية في معاملاتهم التجارية ، لأنّ ذلك ـ في تطلعاته الإصلاحيّة المستقبليّة المتطوّرة ـ قد ينسف الأساس العملي لمصالحهم المادية ، وهذا مما لا يمكن لهم أن يقرّوه ، لأن قوّتهم في المنطقة قائمة على الاقتصاد الاحتكاريّ.
والتطفيف ـ من الوجهة الإسلامية القرآنية ـ ليس مجرّد عمل محرّم يستوجب فاعله العقاب ، بل هو عمل إجراميّ يمثل نوعا من السرقة وأكل