قدرة الله على إعادة الإنسان إلى الحياة
(إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) فإن إعادته إلى الحياة ليست بأكثر صعوبة من إيجاده بهذا الشكل الدقيق في عمق القدرة والإبداع ، بل إن الإيجاد على غير مثال أشد في مسألة القدرة من الإعادة على صورة المثال الموجود.
(يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) وهي الأشياء الخفية التي كان الإنسان يسرّها ويخفيها في نفسه عند ما كان في الدنيا ، من أعماله التي كان يكتمها عن الآخرين ، مما لا يستطيع أن يتحمل مسئوليته أمامهم. فإنها تختبر وتكشف وتظهر حين يقف الإنسان للحساب على أساسها ، فلا يبقى هناك سرّ هارب من المعرفة ، أو بعيد عن المسؤولية ، بل يقف الإنسان هناك ، في يوم القيامة ، عاريا من كل ثيابه ، ومن كل أسراره ، ومن كل عناصر قوّته ، وهذا ما يريد القرآن من الإنسان أن يتمثله في وعيه المسؤول ، فلا يشعر بالحماية الطبيعية لأسراره السيّئة التي يملك أمر كتمانها ، بل يفكر بأن الله سوف يظهرها على رؤوس الأشهاد ، أو أنه المطّلع عليها في الدنيا والآخرة ، فلا يأخذ حريته في تحريكها في حياته عصيانا وتمرّدا على الله في المناطق الخفية من واقعه العملي ، ليدفعه ذلك إلى الدقّة في أعماله ، حتى لا تكون بعيدة عن خط المسؤولية التي يواجهها غدا بين يدي الله.
(فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) لأنه لا يملك أيّة قوّة ذاتية مستقلّة ، كما لا يملكها غيره ، لأن القوّة لله جميعا. فكيف يفكر في ذلك اليوم أن يحرّك هذه القوّة للدفاع عن نفسه ، في مقابل قوّة الله؟
* * *