القرآن هو القول الفصل
(وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) صحيح أن الرجع قد يراد به لغة ـ كما تقدم ـ المطر ، إلا أنه قد يعمّم لينتحل كل الظواهر السماوية المتكررة البادية للحس أو للعيان ، كما في طلوع الكواكب وغروبها ونحو ذلك. (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) وهو الشقّ ، ولعلّ المراد به النبات عند ما تنشق الأرض عنه ، وأمثاله. وربما كان في القسم بهذين المخلوقين العظيمين من الظواهر البارزة فيهما ، بعض الإيحاء برجوع الإنسان إلى الحياة بعد الموت ، وانشقاق الأرض عنه وخروجه منها إلى الحساب يوم القيامة.
(إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) هذا القرآن الذي يقرّر حقيقة الآخرة في ما توحي به من البعث بعد الموت ، هو الحقيقة الحاسمة ، لأن الله أنزله ليعرف الناس حقيقة الوجود في عالم الغيب وفي عالم الشهود ، (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) لأن الله لا يهزل ، بل هو الجدّ كل الجدّ في كلامه وأفعاله. وربما كان المراد به المضمون نفسه المتعلّق بالمعاد ، من دون توسيط القرآن في دلالته عليه.
* * *
(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً)
(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً) هؤلاء المشركون الذين يتحرّكون بكل وسائلهم الخبيثة المتعدّدة ، ليخطّطوا الخطط ، وليبتدعوا الحيل ، ليكيدوا لك ـ يا محمد ـ وللمؤمنين معك ، من أجل أن يسقطوا الرسالة بإسقاط موقفك وموقف المؤمنين ، فلا تخف منهم ، ولا تسقط أمامهم ، فإنهم لن يستطيعوا أن يصلوا إليك بسوء ، لأنهم لا يملكون الامتداد بهذا الكيد ، فهم لا يملكون شيئا من القوّة المستقلة ، (وَأَكِيدُ كَيْداً) فأنا الرّبّ القادر القاهر الذي يملك أمر الحياة