وتوازن ، وركّب في كل موجود الأسرار الخفية التي تجعل له وعيا ذاتيا نحو المواقع التي أراد له أن يتحرك فيها ، ليحفظ استمرار وجوده من خلال الوصول إليها ، وليحقّق رغباته الخاصة في حركتها. وهذا ما نلاحظه في كل مخلوق عاقل أو غير عاقل ، فهناك نوع من الهداية التكوينية التي تجعله يتحرك غريزيا نحو حاجاته ومواقعه ، وهناك نوع من الهداية الإرادية التي تدفعه إلى تحريك إرادته في حركة جسمه وعقله نحو تحقيق الشروط الطبيعية أو الضرورية التي تحقق له النتائج العملية أو الفكرية في حركة وجوده.
* * *
الهداية تتجلى في مخلوقاته
وقد نحتاج إلى تقديم بعض النماذج الوجودية في المخلوقات غير العاقلة في ما ركّب الله فيها من عناصر الهداية التي تحركها نحو غاياتها بيسر وسهولة ، وذلك في ما نقله العالم د. كريسي موريسون رئيس أكاديمية العلوم في نيويورك في كتابه : «الإنسان لا يقوم وحده» الذي ترجمه الأستاذ محمود صالح الفلكي بعنوان : «العلم يدعو إلى الإيمان» ، ونقلا عن كتاب «في ظلال القرآن» لسيد قطب قال : «إن الطيور لها غريزة العودة إلى الموطن ، فعصفور الهزار الذي عشش ببابك يهاجر جنوبا في الخريف ، ولكنه يعود إلى عشه في الربيع التالي. وفي شهر سبتمبر ، تطير أسراب من معظم طيورنا (١) إلى الجنوب ، وقد تقطع في الغالب نحو ألف ميل فوق أرض البحار ، ولكنها لا تضلّ طريقها. والحمام الزاجل إذا تحيّر من جرّاء أصوات جديدة عليه في رحلة طويلة داخل قفص ، يحوم برهة ثم يقصد قدما الى موطنه دون أن يضلّ.
__________________
(١) يقصد طيور أميركا.