بل قدّمت النموذج للذة الحسية التي يعيش الناس في الدنيا أحلامها واهتماماتها. لكن الجنة تحمل للمتقين كل شيء مما يشتهونه ومما يدعونه ، ومما لا حصر له من اللذات الحسية أو الروحية التي لم تخطر على قلب البشر.
(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً) فهناك الحياة النقية الخالصة من العبث الكلامي الذي لا يعبّر عن أي معنى نافع للحياة ، وهناك الصدق الذي لا يسمح للكذب الذي يبتعد عن الحقيقة ، لأنه لا حاجة لما كان الناس في الدنيا يخوضون فيه من اللغو والكذب في مواقع الجدل الذي يقود إلى ذلك.
(جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) فهي تمثّل الجزاء على العمل ، في ما يستحقه الإنسان من خلال وعد الله له ، كما تمثل العطاء المحسوب بدقة من خلال التفضل الإلهي عليه ، لأنّ الإنسان مملوك لله بنفسه وبعمله ، فلا يستحق على الله شيئا إلا من خلال ما يتفضل عليه به.
(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) الذي يملك الكون كله ، والأمر كله ، فيعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء ، (الرَّحْمنِ) الذي يطل على خلقه من موقع رحمته التي قد تتمثل بالعقاب للطغاة ، وقد تتمثل بالثواب للمتقين. ومهما كانت الرحمة في إيحاءاتها التي تفتح قلوب الناس ومشاعرهم على الله ، حتى ليحسون بالاقتراب منه ، فإن ذلك لا يستوجب زوال الهيبة من نفوسهم ، فهم يقفون بين يديه في موقع الحساب ، ولكن (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) في ما يفعل أو يقول ، ولا يستطيعون الشفاعة لديه ، لأن الأمر له ، فلا يملك أحد معه كلاما في أيّ شأن من الشؤون في مواقع القدرة والجلال.
* * *