النبيّ له درب الهدى الذي يصله بالله ليتعرف عظمته في ذاته ، فتصغر نفسه عنده ، وتتعاظم خشية الله لديه ، ليتكامل له الخط المستقيم في طبيعته السلبية المتمثلة بالابتعاد عن خط الانحراف ، وفي طبيعته الإيجابية المتمثلة بالالتزام بخط الاستقامة.
وتلك هي مشكلة الكثيرين من الناس ، لا سيّما الجبابرة منهم ، فهم لم يتعرفوا على الله ليهتدوا إليه ، بل استغرقوا في ذواتهم ، وفي ما يحيط بهم من أوضاع ، فغفلوا عن كل شيء يتصل بالآفاق الرحبة التي تنفتح على مواقع عظمة الله في الكون ، فكانت المسألة هي أن يخرجوا من حالة الاستغراق الذاتية المختنقة ليتسع أفقهم ، وليتحرك فكرهم ، وليبدأوا الرحلة إلى عالم جديد. وهذا ما أراد الله لموسى عليهالسلام أن يواجه به فرعون من أجل أن يصل إلى استشعار خشية الله ، ولكن فرعون لم يتقبل هذه الدعوة المنفتحة على الحق ، فثارت به كبرياؤه ، فاستصغر شأن موسى عليهالسلام ، لا سيّما أنه كان ينتمي إلى الطبقة المنبوذة المستضعفة من قبل فرعون. ولم يستسلم موسى عليهالسلام إلى هذه النظرة الفوقية الفرعونية ، فأراد أن يصدم طبيعة هذا الموقف المتكبر ، فقدم إليه العصا واليد البيضاء.
* * *
موسى عليهالسلام يتحدى فرعون بآيات الله
(فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) التي تدل على صدقه في رسالته ، في تعبيرها عن ارتباطه بالله.
(فَكَذَّبَ وَعَصى) وتحدّث عن السحر في ردّه على موسى عليهالسلام ، فاعتبره ساحرا يريد أن يقلب الموقف لمصلحته بسحره ، ليصل إلى السلطة تحت شعار النبوّة التي تمنحه قوّة روحية كبيرة في تأثيرها على الجماهير المستضعفة المتطلعة إلى